قالوا عن الثورة
هى ثورة كل المصريين بكل تأكيد لا ثورة أشخاص بعينهم أو تيار محدد. هى
ثورة كل الأعمار وكل المهن. ثورة العمال والطلاب والمدرسين والشيوخ والقساوسة
والموظفين والأطباء والمهندسين والعلماء والفلاحين والصحفيين.
ثورة الخارجين من المناطق الشعبية والمحتشدين فى مظاهرات من قلب بيوت
مصر الجديدة، والقادمين من الغربة، ثورة ركاب الأوتوبيس والمترو والمينى باص
والمتشعبطين فى القطارات، والذين يدفعون الـ128 إلى الحركة بـ«الزق»، والذين تركوا
سياراتهم صاحبة الـ«2000 سى سى» والتكييف الزيرو، ليهتفوا إلى جوار أهاليهم من بر
مصر «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».
هى ثورة كل هؤلاء وأكثر، ومن بينهم خرج هؤلاء المصريون الجدعان الذين
ستقرؤون قصصهم فى الصفحات القادمة، دون أن يعنى الاحتفاء بدورهم فى الثورة أنهم
فقط من صنعوها، وأنهم وحدهم من غيَّروا وتحرَّكوا وثاروا، بل إننا -ونحن نستعيد
معهم أجواء الثورة ونحتفى بهم- نستعيدها أيضا ونحتفى بكل الملايين الذين غيَّروا
وتحرَّكوا وثاروا.. دامت ثوراتكم.
محمد البرادعي
»ضمير البرادعى الحى» كان حاضرا فى أول إعلان له حول عودته إلى مصر
وممارسته العمل السياسى إذ أكد وقتها «لن أدخل إلى حزب سياسى لا يتمكن من الترشح
للرئاسة
فى فيينا بالنمسا أعلن من هناك أنه يجهز للسفر والعودة إلى مصر
استعدادا للمشاركة فى جمعة الغضب يوم 28 يناير
خطواته ومواقفه وآراؤه ورؤاه تعبر دائما عن «ضمير» لا يعرف المواربة
ولا يتساهل ولا يغفو
كتب- عمرو بدر:
«ضميرى لن يسمح لى بالترشح للرئاسة أو أى منصب رسمى آخر إلا فى إطار
نظام ديمقراطى حقيقى يأخذ من الديمقراطية جوهرها، لا شكلها فقط».. كأن هذه العبارة
تختصر رحلة الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية
مع عالم السياسة فى مصر، فالرجل بالمفاجأة التى فجرها مؤخرا وإعلانه عدم الترشح
لموقع رئيس الجمهورية -بما أثاره هذا الأمر من ضجة- قد أكمل ملامح الصورة التى
بدأت تظهر منذ عودته إلى مصر فى فبراير من عام 2010، هذه الصورة التى إذا اختار
أحد الفنانين أن يرسمها فإنه سيستبدل بصورة البرادعى، بملامحه وتعبيراته الهادئة،
تخيلا فنيا لما تعنيه كلمة «الضمير».
البرادعى الذى اختار طريقا صعبا منذ عودته إلى مصر وهو طريق «تغيير»
وطن حكمه الفساد والاستبداد لمدة تزيد على العقود الثلاثة، كانت خطواته ومواقفه
وآراؤه ورؤاه تعبر دائما عن «ضمير» لا يعرف المواربة، ولا يتساهل، ولا يغفو، حتى
إن كان فى هذا الأمر ما يحمّل الرجل نقدا وهجوما من «فرق النظام» التى تهبط سريعا
بالباراشوت. ولأن هذا الضمير «الحى» هو دائما الذى يعبّر عن النبل الإنسانى، فقد
كان البرادعى يكسب معاركه التى دخلها بالضربة القاضية طوال الوقت.
الأمثلة على أن البرادعى كان يبتعد طوال الوقت عن السياسة بمعناها
المباشر -الذى تغلب عليه المناورات والمؤامرات- ويغلِّب الضمير، كانت كثيرة منذ
عودته إلى مصر وإلقائه حجرا ثقيلا فى مياه راكدة، يعبر عنها مجتمع محبط ومواطن
يائس، فلم يختر الرجل منذ البداية أن يصبح «فردا» فى فريق نظام فاسد وفاشل
«..انسوا الحديث عن الترغيب أو الترهيب، فغير الترشح لموقع رئيس الجمهورية
بانتخابات نزيهة لن أقبل بأى موقع رسمى».. هكذا قال وأكد فى أول حوار له بعد عودته
إلى مصر، دون أن يخاف من أن هذا الأمر سيعرضه لغضب نظام قمعى إلى أبعد الحدود.
«ضمير البرادعى الحى» كان حاضرا فى أول إعلان له حول عودته إلى مصر
وممارسته العمل السياسى، إذ أكد وقتها «لن أدخل إلى حزب سياسى لا يتمكن من الترشح
للرئاسة، ولن أتقدم بأوراق حزب إلى النظام الذى يفتقر إلى الشرعية»، وهو ما يعنى
أن الرجل لم يكن خائفا من أمواج عاتية ولا ملهوفا على الترشح للرئاسة وهو يطالب
بشكل واضح بتعديلات دستورية تتيح «لكل المصريين الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية
بلا قيود»، وهى التى كانت تعنى -حسب البرادعى- تعديل ثلاث مواد من دستور عام 71
تسمح بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نظيفة وتمنح كل مواطن حقه فى الترشح لها.
«الضمير» الذى كان مصاحبا للبرادعى، كان هو المحرك الرئيسى لطريق طويل
من الصدام مع نظام الحكم السابق، وذلك منذ عودته إلى مصر، وتكوينه الجمعية الوطنية
للتغيير فى فبراير 2010، والتى وإن كانت فى حقيقتها «تنظيما نخبويا» فإنها خلقت نوعا
من «التنسيق» ما بين كثير من القوى السياسية والمثقفين ووحدت الجميع على حد أدنى
من مطالب التغيير وولّدت روحا جديدة غابت عن مصر المنكوبة بالاستبداد منذ سنوات،
وقد كان هذا الأمر هو التحدى الأكبر للنظام الذى كان يحكم ويتحكم فى كل شىء،
واستمر الصدام بين البرادعى ونظام مبارك «الساقط» حين طالب المواطنين «بالتوقيع»
على «بيان التغيير» الذى اعتبره البرادعى -آنذاك- يحمل الحد الأدنى لخلق واقع
سياسى جديد فى مصر، وهو أسلوب لمقاومة النظام، يبدو معبرا عن الرجل الذى عاش معظم
حياته فى العمل الدبلوماسى، وهو الذى يصفه قائلا: «لو استطعنا الحصول على ملايين
التوقيعات لن يستطيع النظام القول إنه لا أحد فى مصر يطالب بالتغيير».
البرادعى صاحب الضمير السياسى لم يكن يدعو إلى التغيير فقط، بل كان
مشاركا فى صنعه، فهذا الرجل الذى بشر بالتغيير، وحرك المياه الراكدة وأثبت أن هناك
بديلا آخر لمبارك ونجله وبعث بالأمل فى نفوس الأجيال الأصغر سنا والأكثر حماسا،
كان حاضرا يوم جمعة الغضب، يعانى نفس ما تعانيه الجماهير من قمع و«قنابل مسيلة
للدموع وخراطيم مياه» ولم يؤْثر السلامة وينجُ بنفسه من تفاصيل يوم عاصف فى تاريخ
مصر، بل كان ضميره السياسى يأبى إلا أن يشفع القول بالفعل، ويخرج فى المظاهرات
الحاشدة التى كانت بداية النهاية لنظام مبارك يوم 28 يناير. هذا الأمر جعل
البرادعى يحصل على احترام وتقدير الجميع، لا سيما هؤلاء الذين كانوا يرونه مجرد
مناضل بالكلمات ويعتبرونه غير قادر على النزول إلى الشارع أو مواجهة سلطة غاشمة
قمعية يقول «تعرضت مع الجماهير الغاضبة للضرب بقنابل الغاز وخراطيم المياه، وكان
هذا واجبى تجاه وطنى».
هذا هو البرادعى الذى مارس السياسة بضمير حى ويقظ، بعيدا عن الأطماع
والمطامع، لذلك لم يكن غريبا أن يكون الشباب الأصغر سنا والأكثر نبلا ونقاء والأبعد
مسافة عن مؤامرات السياسة هو أكبر داعم له وأعظم المتحمسين لوصوله إلى سدة الحكم
فى مصر، لأنهم صدقوه بعدما كذب عليهم الجميع، ووثقوا به بعدما رأوا الخيانة على
مدار 30 سنة، من نخب وأجيال كانت مسؤولة -مثل نظام مبارك تماما- عما وصلنا إليه من
فشل وتردٍّ.
جورج إسحق
التاريخ النضالى لإسحق بدأ مبكرا مع مرحلة الطفولة عندما اشترك فى
مقاومة العدوان الثلاثى على مصر فى مدينته الباسلة بورسعيد
كان حاضراً فى المظاهرة التى تحركت من أمام دار القضاء العالى وتحرك من
هناك مع العشرات إلى ميدان التحرير
المنسق الأول لحركة كفاية التى كانت أول من رفع شعار «لا للتمديد.. لا
للتوريث»
كتب- عبد الرحمن عبادى:
لم تمنعه سنوات عمره السبعون من اعتلاء كتف أحد شباب التحرير فى
الساعات الأولى للمظاهرات التى انتهت بثورة 25 يناير، مرددا للمرة الأولى هتاف
«الشعب يريد إسقاط النظام»، فى مشهد لفت نظر كثيرين ممن خرجوا إلى الشارع للمرة
الأولى رفضا لنظام مبارك، ممن لا يعرفون أن ذلك الرجل الذى يقف بينهم واحد من
قليلين اختاروا مهاجمة نظام مبارك، وترديد الهتافات المطالبة بسقوطه فى وقت فيه
كان أقصى أحلام أعتى معارضيه تغيير وزير فى حكومته. مشهد التحرير فى تلك الساعات
كان وحده كفيلا بإعادة شباب جورج إسحق، المنسق الأول لحركة «كفاية»، إليه وهو يرى
حصاد 6 سنوات من النضال السلمى ضد مبارك ونظامه يتحقق أمام عينيه، بعد أن كاد
اليأس يتسرب إلى النفوس من استحالة إزاحة هذا النظام، وبعد أن تحولت وقفات حركة
«كفاية»، التى لا تكاد تنتهى لتبدأ إلى مشهد فلكلورى استخدمه مبارك لتجميل صورته
عالميا، دون أن يعرف أن تلك المجموعة ستنجح فى تحريك الملايين لإسقاط نظامه
عندما تجلس فى حضرته، وأنت لا تعلم من هو، تظن أنه واحد من المتبحرين
فى علوم الدين الإسلامى، ويتأكد لك ذلك عندما تجده فى جميع مناسبات جماعة الإخوان
المسلمين، وعلى رأس الوقفات المطالبة بحريتهم وحقهم فى الوجود والمشاركة السياسية
فى أثناء التنكيل بهم على يد النظام السابق، لكنك ستفاجأ حتما بأن ذلك، الرجل الذى
بدأ حياته معلما للتاريخ، مسيحى الديانة، بل وشغل سنوات طويلة منصب مدير المدارس
الكاثوليكية القبطية، لكنه واحد ممن نظروا إلى جوهر الأديان السماوية، وتناسوا
العنصرية الدينية كى يلتفتوا إلى قضايا الوطن
كثيرا ما استغل خصومه من أتباع الحزب الوطنى مواقفه تلك من الإخوان
لتأليب عدد من الأقباط المتشددين عليه، وكثيرا ما أدى ذلك إلى مهاجمته بضراوة من
أخوة الدين، لكنه كان أقوى من الجميع، ولم يجد أى غضاضة فى أن يعلن فى محافل
مسيحية أن الاختيار للشعب جاء بمسيحى أو مسلم. إسحق الذى قدم نموذجا غير مسبوق فى
مصر لتداول السلطة بعد تنازله عن منصب المنسق العام لحركة «كفاية» بعد عام واحد من
إنشائها فى نهاية 2004 لإرساء مبدأ تداول السلطات تحمل على عاتقه مع أعضاء الحركة
التى لم يتجاوز عدد أعضائها فى البداية 300 فرد صعوبات بداية إنشاء الكيان وواجه
الملاحقات الأمنية والاعتقالات على الرغم من كبر سنه، ولم يكتفِ بذلك، بل امتدت
الضغوط ليواجه كذلك مع بقية زملائه قضايا أخرى، مثل التعديلات الدستورية وتزوير
انتخابات مجلس الشعب، حتى وصل عدد أعضاء الحركة التى خرجت إلى الشارع يوم 12ديسمبر
2004 هاتفة بسقوط مبارك إلى ما يزيد على 20 ألف عضو موزعين على جميع محافظات مصر.
ورغم أن جورج ورفاقه كانوا فى مقدمة صفوف صانعى الثورة، فإنهم واصلوا
رباطهم بالميدان، ولم ينصرفوا لجمع الغنائم كما فعل غيرهم، حتى عندما وافق على
عضوية إحدى لجان التربية والتعليم للاستفادة من خبراته التربوية ظل حريصا على
استحضار روح الثورة، وعندما قرر خوض انتخابات مجلس الشعب وفقا لمعاييره الثورية لم
يوفق، لأنه لم يبحث كغيره عن التحالف مع من لديهم الخبرة البرلمانية والعارفين
بدهاليز الانتخابات المصرية ممن لم يتوانوا عن استحضار تمييزهم الدينى لإسقاطه،
وهو الذى لم يتأخر يوما للدفاع عن حريتهم فى التعبير والتنقل وأداء مشاعرهم
الدينية والمشاركة فى الحياة السياسية.
قديس «كفاية» الذى عاد إلى الميدان مجددا، إيمانا منه بأن الثورة لم
تكتمل هو واحد من الذين ناضلوا لرحيل المحتل الأجنبى وآمنوا بمبادئ ثورة يوليو
التى حادت عن طريقها، لذلك فهو حريص على استحضار عِبر التاريخ ودروسه، حتى لا تغلق
الدائرة مجددا على حكم العسكر.
التاريخ النضالى لإسحق بدأ مبكرا مع مرحلة الطفولة عندما اشترك فى
مقاومة العدوان الثلاثى على مصر فى مدينته الباسلة بورسعيد، ثم اشتغل فى مجال
الخدمات العامة على مختلف المستويات والمجالات انطلاقا من عمله التربوى، قبل أن
ينضم إلى حزب العمل 1969، ومع إنشاء «كفاية» كان فى مقدمة مؤسسيها لكسر حواجز
الخوف لدى الشعب المصرى. ومع تزايد نشاطه فى العمل العام طالته يد الاعتقالات أكثر
من مرة، أطولها عندما تم احتجازه على خلفية الدعوة إلى إضراب 6 أبريل عام 2008،
وإبان أحداث استقلال القضاة عام 2005، لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة كفاحه السلمى إلى
أن قامت الثورة.
أسامة الغزالي حرب
كان حاضراً مع المتظاهرين والمعتصمين فى ميدان التحرير بعدها كان حزبه
من الجهات الداعية للمظاهرات
كان فى مسجد الاستقامة بالجيزة برفقة الدكتور محمد البرادعى وعدد من
السياسيين والمثقفين الذين تعرضوا لقنابل الغاز وخراطيم المياه
اختار حرب طريق الشعب بأن ينضم إلى الجموع وأن يقف ضد النظام فى ظل
سطوته
كتب- محمد أبو زيد:
كان النظام السابق فى عز سطوته، عندما قرر أن يخلع عباءة الحاكم وأن
يعرّيه تماما، وأن يخرج من نظام مبارك، كاشفا سوءات عصر بالكامل طغى وتجبر.
اختار حرب طريق الشعب، بأن ينضم إلى الجموع، وأن يقف ضد النظام فى ظل
سطوته، ويؤسس حزبا، يكون بعد ذلك جزءا أساسيا من الثورة، بل إنه يعتبر «الخلية
الأولى للثورة»، من يوم 20 يناير إلى يوم 25 يناير، كانت هناك ترتيبات، لم يكن
أسامة خائفا من نجاح الثورة، كان يتنبأ بها، كان يدفع فى اتجاه التجربة، ويحض على
أن يخوض الشعب ثورته، حزب الجبهة كان منذ اليوم الأول مع الثورة، وكان متنبئا بها.
لم يدخل أسامة الغزالى حرب الحزب الوطنى إلا لمدة 3 سنوات، حتى عندما كنت عضوا فى
مجلس الشورى، كان مستقلا، لذلك كان محروما من تولِّى أى لجنة، وعلاقته بالنظام لم
تكن جزءا أساسيا.
يحكى حرب عن تجربته «دخلت النظام عندما اتصل بى جمال مبارك بشأن لجنة
السياسات، كان دخولى للحزب الوطنى عام 2002، ومعى من (الأهرام) عبد المنعم سعيد،
وهالة مصطفى، لكننى كنت أعرف جمال قبلها بثلاث أو أربع سنوات، وذلك كان عن طريق
مختلف تماما، جرى ذلك عن طريق د.أسامة الباز، وكان تقريبا سنة 1998، أو 1999، حين
دعا إلى مشروع لتأريخ مصر فى عهد مبارك، وتجميع لبناء مركز دراسات تاريخ مصر
المعاصر، ففهمت أن هناك رغبة فى تجميع كل الوثائق والصور والأفلام السينمائية
الخاصة بعهد مبارك، فاقترحت أن يتم ذلك، على أن يشمل كل ما بعد ثورة يوليو 1952»،
ويضيف «جمال بدأ يفكر فى التوريث، وكان يتعامل مع نفسه على أنه الرئيس القادم أو
يتخيل نفسه كذلك، وكان ذلك يجعل بيننا وبينه مسافة، وكنت أحب ذلك، لم تكن لى علاقة
بمشروع التوريث، فى اللحظة التى أحسست فيها بهذا الموضوع انسحبت».
رفضه مشروع التوريث، وتعديل المادة 76 عام 2005، كانا من أشهر مواقفه
السياسية، فهو أحد القلائل داخل الحزب الوطنى المنحل الذين قالوا يوما ما لجمال
مبارك وصفوت الشريف «لا».. يتذكر أسامة الغزالى حرب أن صفوت الشريف فى اجتماع لجنة
السياسات كان يقرأ أسماء أعضاء الحزب الموافقين على تعديل المادة دون حتى سؤالهم،
«لكنى وقفت وقلت له أنا معترض على تعديل المادة». كان هذا الموقف يعتبر واقعة
نموذجية لانتصار الضمير على المصالح الشخصية.
تعديلات المادة 76 من الدستور كانت البداية لنهاية نظام مبارك، كما
أعلن الغزالى حرب بعد الثورة بأيام، معلنا أن «ثورة شباب 25 يناير سوف توضع فى
التاريخ كواحدة من أعظم الثورات التى عرفتها البشرية مثل الثورة الفرنسية والثورة
الأمريكية»، كما وصفها بالحدث الأعظم فى تاريخ مصر منذ عهد الفراعنة.
ربما يبدو أسامة الغزالى حرب سعيدا الآن وهو يتذكر بعد عام من الثورة،
ما حدث يوم 28 يناير، حيث قرر التوجه مع الدكتور محمد البرادعى من مسجد الاستقامة
فى الجيزة، إلى ميدان التحرير، كان يصلى مع العديد من رموز المعارضة، الدكتور عبد
الجليل مصطفى، والدكتور محمد أبو الغار، لكن بمجرد انتهاء الصلاة، انطلقت قنابل
الغاز، وخراطيم المياه على المصلين، قبل أن ينضم متظاهرو العمرانية والهرم إليهم
وينطلقوا إلى التحرير، لم تترك الشرطة المتظاهرين، فقامت باحتجاز البرادعى ومعه
حرب فى أثناء المشاركة فى المظاهرات.
كانت أياما كالحلم، يتذكرها الآن أسامة الغزالى حرب ويبتسم، ربما لا
تكون المكاسب كبيرة، لكنها حققت ما حلمت به مصر لمدة ثلاثين عاما، وأسقطت نظام
الطاغية
عبد الجليل مصطفى
شارك فى الوقفة التى بدأت أمام دار القضاء العالى ثم تحولت إلى مظاهرة
تحركت من إلى شارع رمسيس ومرت أمام دار الحكمة ثم إلى ميدان التحرير
كان عضوا مؤسسا فى حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات وكان واحدا ممن حرضوا
على قيام ثورة 25 يناير
كتب- محمد الخولى:
تاريخ طويل ملىء بالكفاح والنضال ضد نظام ديكتاتورى فاسد، هذا هو ملخص
حياة المناضل والناشط السياسى الدكتور عبد الجليل مصطفى أحد المناضلين والداعين إلى
قيام الثورة، ومشارك وشاهد على كل أحداثها منذ البداية.
الناشط السياسى الذى شارك فى صنع الثورة منذ بدايتها، فكان من أول
الموجودين بميدان التحرير يوم 25 يناير للثورة على نظام فاسد، كاد يرسل مصر إلى
الجحيم والمطالبة بإطلاق سراح مصر للمصريين من أبنائها. ومع تزايد العنف والقتل
وأساليب القمع الدنيئة التى استخدمتها قوات الأمن المركزى ضد المتظاهرين كان إصرار
عبد الجليل على استكمال مشوار الثورة إلى النهاية يتزايد، فكان من أوائل الداعين
إلى جمعة الغضب 28 يناير، التى بدأها بمسيرة من مسجد الاستقامة بمحافظة الجيزة إلى
ميدان التحرير، بصحبة الدكتور محمد البرادعى وعدد من النشطاء السياسيين، جاعلا من
مكتبه بميدان باب اللوق نقطة تجمع للتشاور حول الأفكار، والآراء المختلفة على مدار
18 يوما هى فترة عمر الثورة.
عبد الجليل مصطفى الأستاذ بجامعة القاهرة، الذى رفض أن يسجن فى حدود
الشخصية الأكاديمية المحافظة، تعرض للتنكيل والاعتقال أيضا فى ظل دولة بوليسية
تعتمد على تقارير أمن الدولة، الأمر الذى لم يمنعه من المشاركة وتأسيس كثير من
الحركات الاحتجاجية والنضالية ضد النظام، فكان عضوا مؤسسا فى حركة 9 مارس لاستقلال
الجامعات، وكان واحدا ممن حرضوا على قيام ثورة 25 يناير، وواحدا أيضا ممن حافظوا
على ثوريتهم، رافضا أن يقع فى فخ المجلس العسكرى كغيره من السياسيين.
الثائر الذى رفض أن يقال إن ثورة 25 يناير صناعة غربية، ولم يكتب لها
النجاح إلا بعد دعم ومساندة الغرب لها قائلا: «أمريكا ساندت حليفها فى بداية
الثورة، وقالت وزيرة الخارجية إن نظام مبارك مستقر، ويمكنه البقاء»، معتبرا أنها
ثورة شعبية مصرية خالصة ملك لكل المصريين، وكتبت شهادة نجاحها بدماء مصرية طاهرة
سالت على أرض الميدان.
منسق الجمعية الوطنية للتغيير، الذى أكد ضرورة الخروج فى الذكرى الأولى
للثورة، واستكمال المسيرة لحين تحقيق جميع أهداف الثورة قائلا «نزول المصريين فى
الذكرى الأولى للثورة واجب وطنى، لتأكيد مطالب الثورة واستكمال مسيرتها الإصلاحية
للنهاية».
عبد الجليل مصطفى، الذى أكد شرعية الميدان وضروريتها لاستكمال أهداف
الثورة بعيدا عن شرعية البرلمان، قائلا «البرلمان لا يعادل شرعية الميدان، حيث إن
لكل منهما شرعية مختلفة، وكل له حق فى السلطة ولا بد أن يصدر البرلمان قانون
السلطة القضائية لتطهير مؤسسات الدولة من الفلول».
رئيس الجمعية الوطنية للتغيير، الذى رحب بالمبادرة التى طرحها الدكتور
منصور حسن، رئيس المجلس الاستشارى، لإجراء حوار مع كل القوى والتيارات السياسية،
مؤكدا ضرورة أن يسبق ذلك حصول تلك التيارات والثوار على تطمينات للتوقف عن التظاهر
والاعتصام. معربا عن قلقه حول ما إذا كان الحوار سيقود إلى حلول موضوعية لتنفيذ
مطالب الثوار أم سينتهى إلى مصير ما سبقه من دعوات للحوار. مشترطا أن تكون تلبية
مطالب الناس مرافقة للحوار قائلا: «إذا كانت هناك رغبة فى الحوار، فلا بد أن
يترافق معها تلبية مطالب الناس، وإيقاف العنف ضد شباب الثورة، وإن أقصر الطرق إلى
الاستقرار هو تلبية المطالب العاجلة».
السياسى، الذى طالب بتقديم موعد فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة،
وكان من ضمن الداعين إلى وضع الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات قائلا: «أنا مع
وجوب وضع الدستور أولا حتى لا يتولى أحد الحكم مجددا بصلاحيات غير محدودة»، إضافة
إلى مطالبته بإلغاء مجلس الشورى وانتخاباته قائلا: «إنه لم يفعل شيئا منذ قرار
تأسيسه فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وكان من الضرورى أن يتم إلغاؤه منذ 12
فبراير الماضى، وإجراء انتخابات له حاليا هو نوع من إهدار الوقت والأموال بلا
طائل».
الليبرالى، الذى انتقد الخروج الكبير للتيار السلفى والإخوانى بعد الثورة
قائلا: «يلفت نظرى أن هؤلاء كانوا يعتصمون بالصمت قبل الثورة، ويعرف الجميع ما
قاله بعضهم حينما قامت الثورة أن الفساد لا يُصلح بالفساد وأن التظاهر نوع من
الفتن، ثم وجدناهم التحقوا بالثورة بعد نجاحها». لافتا إلى أنه من الساعين إلى
إقامة دولة القانون التى ترعى حريات الجميع وحقوقهم على قدم المساواة واحترام
القانون من عدمه هو المعيار الذى يحدد ما نقبل وما لا يقبل الشعب فى مختلف
المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأيضا الحرص البالغ على
الوحدة الوطنية من جميع الفرقاء، قائلا: «أعتقد أن حماية الوحدة الوطنية من أى
ممارسات ضارة بها هو واجب وطنى مقدس، علينا جميعا أن نرعاها ونحميها فى كل وقت.
محمد البلتاجي
أبرز المعارضين فى برلمان 2005 وأكثر أعضاء الكتلة الإخوانية التصاقا
بالقوى السياسية التى خرجت لرفض التوريث والتمديد لمبارك.
خرج فى مظاهرة كبيرة من دوران شبرا وسار فى هذه المظاهرة مسافة طويلة
حتى دار القضاء العالى ومنه إلى ميدان التحرير.
الإخوانى الوحيد الذى يردد الآن فى كل مناسبة أن الثورة مستمرة وأن
الأوضاع لن تستقر فى مصر إلا بتسليم السلطة للمدنيين.
كتب- عبد الرحمن عبادى:
فى الوقت الذى انشغلت فيه جماعة الإخوان المسلمين بجمع غنائم انتخابات
مجلس الشعب والترويج لاحتفالات مرور عام على الثورة. كتب هو على موقعه الإلكترونى:
«25 يناير لن يكون لمشاعر احتفالية فلكلورية تفرغ المناسبة من مضمونها الثورى كما
يريد البعض، ولا لنعيش معه حالة جنائزية مأتمية، لأننا لم نحقق شيئا كما يرى
البعض، لكن لنرسل جميعا رسالة واضحة أن الملايين لا تزال محتشدة وراء الثورة،
ومصرة على تحقيق مطالبها التى لم تتحقق بعد».
وحده الدكتور محمد البلتاجى بين قيادات الإخوان الذى أعلن موقفه الواضح
من 25 يناير «الثانى» كما كان وحده بين قياداتها الذى شارك منذ اللحظة الأولى فى
الثورة، عندما خرج مع نفر قليل من أفراد جماعته وشبابها للمشاركة فى مسيرة القوى
السياسية والمواطنين التى انطلقت من دوران شبرا نحو دار القضاء العالى ومنه إلى
ميدان التحرير بعد كسر الحصار الأمنى المفروض عليها عصر الثلاثاء 25 يناير، ثم
عاود الكَرّة من جديد يوم جمعة الغضب مع عدد أكبر ليستقر فى الميدان بشكل شبه دائم
حتى رحيل مبارك عن الحكم.
مواقف البلتاجى المحترمة قبل 25 يناير وبعده، جعلته على مسافة قريبة من
مختلف القوى السياسية وأهَّلته ليكون معشوق شباب جماعة الإخوان الأول منذ عام 2001
عندما قاد مسيرات طلاب الإخوان الجامعية لإدانة العدوان الإسرائيلى فى الانتفاضة
الفلسطينية الثانية، مستعيدا ذاكرته الثورية، وقت أن شارك مع رموز العمل الطلابى
بالجامعات المصرية فى توحيد موقف طلابى حاشد تأييدا لقضية الجندى المصرى سليمان
خاطر، ومخاطبة الحكومة المصرية بالإفراج عنه لعدالة قضيته فى أثناء توليه منصب
رئيس اتحاد طلاب جامعة الأزهر، وهى الذاكرة التى انطوت لسنوات انشغل فيها بعمله
كطبيب متخصص فى علاج أمراض «الأنف والأذن والحنجرة»، والدفاع عن حقه فى التعيُّن
بالجامعة بعد استبعاده أمنيا لمدة أربع سنوات نجح خلالها فى الحصول على حكم قضائى
أعاده إلى الجامعة أستاذا لذلك التخصص بجامعة الأزهر، قبل أن يعود مرة أخرى
لممارسة نشاطه العام بشكل أكبر فى انتخابات برلمان 2005 عندما نجح فى انتزاع مقعد
الفئات عن دائرة قسم أول شبرا الخيمة بفارق 15 ألف صوت عن أقرب منافسيه بنشاطه
الملحوظ فى العمل الخيرى بين أبناء الدائرة.
فى يوم 20 نوفمبر الماضى، كان البلتاجى هو الإخوانى الوحيد الذى سارع
بالنزول إلى ميدان التحرير لإدانة عنف الداخلية والشرطة العسكرية فى أحداث محمد
محمود، وهو الإخوانى الوحيد الذى يردد الآن فى كل مناسبة أن الثورة مستمرة، وأن
الأوضاع لن تستقر فى مصر إلا بتسليم السلطة للمدنيين ورحيل العسكر إلى ثكناتهم،
حتى غمار معركته الانتخابية للعودة إلى مقعده بمجلس الشعب لم تشغله عن أحداث
التحرير، رغم طرده من الميدان عقب أحداث محمد محمود تأثرا بموقف جماعة الإخوان
المسلمين العائم من تلك الأحداث.
مجلس الشعب كان نقطة انطلاق البلتاجى الحقيقية فى عالم السياسة، حيث
كان من أبرز الأصوات المعارضة فى برلمان 2005 وأكثر أعضاء الكتلة الإخوانية
التصاقا بالقوى السياسية التى خرجت فى تلك الفترة لرفض التوريث والتمديد لمبارك،
حيث شوهد فى عشرات الوقفات التى نظمتها حركة «كفاية»، وباقى القوى السياسية،
وارتبط اسمه بقضايا جماهيرية منها: عبّارة السلام، واستجواب أنفلونزا الطيور،
وطوابير العيش، ورفض قانونَى المرور والضرائب العقارية، فضلا عن دفاعه البرلمانى
عن استقلال السلطة القضائية، وحرية الصحافة، إضافة إلى مواقفه الرافضة لتشريعات:
الحبس فى قضايا النشر، وتمديد حالة الطوارئ، والتعديلات الدستورية الجائرة فى
2007، والمحاكمات العسكرية للمدنيين. كما كانت له جولات فى الدفاع عن حقوق التعبير
والتظاهر السلمى، حيث وقف بقوة ضد دعاوى القمع وإطلاق الرصاص على المتظاهرين التى
أطلقها نائب الحزب الوطنى القصاص قبل شهور من الثورة، وعندما قررت كتلة المستقلين
بالبرلمان الاعتصام احتجاجا على قمع أغلبية الوطنى البرلمانية كان فى مقدمة
المعتصمين.
التصاق البلتاجى بالقوى السياسية خلال فترة تأسيس الحملة المصرية ضد
توريث الحكم لجمال مبارك جعل الجماعة تختاره ممثلا لها فى معظم اللقاءات التى
تحتاج فيها إلى التنسيق مع القوى السياسية الأخرى، وهو ما جعله أحد المؤسسين
الرئيسيين للجمعية الوطنية للتغيير، التى تأسست فى فبراير 2010 عقب عودة الدكتور
محمد البرادعى من الخارج وانخراطه فى العمل العام لإنهاء حقبة مبارك.
ثورية البلتاجى التى جعلته أحد المتحدثين الدائمين على منصة التحرير
الرئيسية فى فترة الثورة، كانت حاضرة أيضا فى 30 مايو عام 2010 عندما لم يكتفِ
بدوره فى تأسيس الحملة الشعبية المصرية لفك الحصار عن غزة، وشارك مع نشطاء دوليين
فى قافلة السفينة «مرمرة» التركية التى سعت عمليا لكسر الحصار بحرا عن قطاع غزة،
وهى السفينة التى هاجمها الكيان الصهيونى فى عُرض البحر فى عملية عسكرية أسفرت عن
استشهاد تسعة من الناشطين، وجرح عشرات منهم، فضلا عن اعتقال جميع المشاركين على
ظهر الأسطول، والإفراج عنهم فى وقت لاحق.
أيمن نور
اعتقل أكثر من مرة فى بداية الثمانينيات، لكن السجن لم يستطع أن يحطم
أفكار نور الليبرالية.
وجد مع المئات من المتظاهرين أمام دار القضاء العالى ثم تحرك مع
المظاهرة فى شوارع وسط البلد حتى وصل إلى ميدان التحرير.
قاد مسيرة من مقر حزب الغد إلى جامع الفتح برمسيس حيث تعرض للاعتداء من
قبل رجال الشرطة ثم ذهب إلى مستشفى العجوزة .
رمز للمعارضة فى زمن مبارك وأكثر الذين دفعوا ثمناً لذلك.
كتب- محمد أبو زيد:
سيكتب التاريخ أن أول من قال «ارحل» هو الدكتور أيمن نور، أول من طالب
الرئيس المخلوع حسنى مبارك، قبل قيام الثورة بثلاثة أيام بالرحيل، قالها أمام
البرلمان الموازى، وهو مدرك أن نهاية الليل قادمة، وأن سقوط النظام الذى طغى
وتجبّر قد آن.
أيمن نور هو أحد رموز المعارضة فى زمن مبارك منذ أن كان محاميا، ثم
قراره بأن ينشئ حزبا سياسيا معارضا، منذ حمل حلم الآلاف بالتغيير، فخاض تجربة
الترشح للرئاسة ضد مبارك، وضد مرشحى الأحزاب الكارتونية، فى الانتخابات الرئاسية
عام 2005، فى أول انتخابات تجرى بواسطة الاقتراع المباشر، وجاء فى المركز الثانى
فى النتائج النهائية للانتخابات بعد مبارك، الذى زوّرت له الانتخابات بطبيعة الحال،
لكن النظام السابق رفض أن يظل منافسو مبارك، فى النور، فتم تلفيق قضية التوكيلات
المزوّرة له، ليدخل السجن، كأشهر سجين سياسى فى التسعينيات، دفع ثمن معارضته من
سنوات عمره خلف السجون.
حُكم على نور بالسجن لمدة 5 سنوات فى محاكمات سريعة ومثيرة للجدل، لم
يكن الهدف فقط سجنه، بل أن يمنع من الترشح فى الانتخابات الرئاسية، التى كان من
المفترض أن تجرى فى 2011، كان النظام خائفا ومرتعدا، بعد أن قام بقتل كل رجال الصف
الثانى، فلا يبقى سوى مبارك وابنه، ينهشان لحم الوطن، تم الإفراج عن نور يوم 18
فبراير 2009، لأسباب صحية، بعد مناداة ناشطين وحقوقيين بالإفراج عنه بسبب إصابته
بالسكر وأمراض أخرى.
لم تكن هذه هى المرة الأولى له فى السجن، فقد اعتقل أكثر من مرة فى
بداية الثمانينيات، لكن السجن لم يستطع أن يحطم أفكار نور الليبرالية، ولا
معارضته، كان يسرّب مقالا يوميا، ينشره فى جريدة «الدستور»، قبل أن يقوم نظام
مبارك بتصفيتها.. خرج من السجن ليكون أكثر قوة وعنادا وإصرارا على رحيل مبارك
ونظامه.
عمل نور فى المحاماة والصحافة فى آن واحد بعد قرار المحكمة الدستورية
بالجمع بين نقابتين، وهو نائب بمجلس الشعب -دائرة باب الشعرية- وجاءت بداية عمله
بالسياسة مبكرة، فقد كان والده نائبا من نواب مجلس الشعب، لذلك شارك أيمن نور فى
إدارة الحملات الانتخابية لوالده، وبعد ذلك ترأس اتحاد طلاب الجمهورية، ثم انضم
إلى حزب الوفد الذى أصبح بعد وقت قليل من أنشط كوادره. انضم بعد ذلك أيمن نور إلى
حزب مصر، وهو امتداد للوسط، على اعتبار أن نور وسطى ليبرالى، وتم انتخابه رئيسا
للحزب فى مؤتمر عام 2001، ثم بدأ نور بعد ذلك فى تأسيس حزب الغد الذى أصبح نور
رئيسا وزعيما له، الذى أضحى فى فترة قصيرة من أقوى الأحزاب المعارضة داخل البرلمان
المصرى.
كان أيمن نور على رأس الخارجين يوم 25 يناير، يهتف «ارحل»، كلمته
الأثيرة، ويهتف مع آلاف المواطنين الذين ساروا حوله «الشعب يريد إسقاط النظام»،
أمام دار القضاء العالى وشارع رمسيس وجريدة «الجمهورية». فى الأيام التالية كان
موجودا فى الميدان.. مساء الأربعاء 26 يناير، افترش آلاف المتظاهرين من مختلف القوى
السياسية، أرضية ميدان التحرير، للمبيت به وسط حضور مكثف لرموز المعارضة والقوى
السياسية المختلفة، وكان بينهم أيمن نور وجميلة إسماعيل والكاتب الصحفى الكبير
إبراهيم عيسى، والمهندس الاستشارى ممدوح حمزة، والدكتور عبد الجليل مصطفى. كان
الحلم فى بدايته، لكن أيمن نور كان مصرا على أن حلمه سيتحقق، كان يرى كل ما فعله
النظام معه، من سجن وتعذيب وتشويه سمعة ومطاردة، كان يرى الفقر والرفض فى وجوه
الجميع، كان ذلك دليلا بالنسبة إليه على اقتراب الحلم من تحقيقه، يوم 28 يناير،
جمعة الغضب، أدرك أن النظام قد سقط لا ريب، كان هناك وسط الجموع، يشاهد الحلم الذى
بدأ يتحقق.
أيمن نور الذى أعلن تجميد حملته للرئاسة قبل يومين، عاد ليكرر كلمته
الأثيرة مرة أخرى «ارحل»، لكنه هذه المرة وجهها إلى المجلس العسكرى، لأنه لم ير
شيئا تغيّر، فقط تبديل أدوار لا أكثر، ربما لأن ما عانى منه أيام مبارك من إبعاد
واتهامات عانى منه أيضا أيام المجلس العسكرى
محمد أبو الغار
كان موجودا فى الشارع قبل أن تزداد الأعداد وتتضاعف وقبل أن يعرف
المنافقون أن كفة الثورة ستربح فيقررون السير معها.
كان حاضرا فى مظاهرة أمام دار القضاء العالى ثم تحرك باتجاه شارع القصر
العينى قبل أن يتجه بالتظاهر فى ميدان التحرير.
أدى صلاة الجمعة فى مسجد الاستقامة بميدان الجيزة مع آلاف من الذين
خرجوا للتظاهر وواجهتهم الشرطة بعنف واستخدموا القنابل المسيلة للدموع وخراطيم
المياه.
رائد فى تخصصه الطبى الدقيق ورائد فى تحركه النضالى لاستقلال الجامعة
والوطن.
كتب- مصطفى شحاتة:
إنها طلة الطبيب، تسيطر عليه وتتمكن منه تماما، حينما يحدّث مريضاته
برفق، وبإخلاص لمهنة الرحمة، ومساعدة الناس على التغلب على الألم، من يمكنه أن
يقاوم نظرة الرأفة فى عيون الرجل الكهل؟ دون السياسة.. محمد أبو الغار، رائد فى
مجاله الأساسى.. طب النساء والولادة. يكفيه حنان الأبوة الذى يعامل به مريضاته
وهدوؤه فى لومهن وعتابهن على التقصير فى حق جسدهن. أستاذ طب النساء والتوليد
بجامعة القاهرة المولود بشبين الكوم عام 1940.
جاء بتخصصه التخصيب الصناعى إلى مصر ليكتسب شهرة طبية واسعة فى أحد أهم
المجالات الطبية على الإطلاق.
وفى تخصص بدا نادرا فى مصر منذ فترة، رشحه كثيرون لتولى منصب وزير
التعليم العالى لخبرته فى المجال العلمى والتعليمى، إلا أنه كان يرفض، حتى بعد
الثورة عندما جاءت له وزارة الصحة رفضها مفضلا أن يكون فى موقع المواطن الذى يرى
كل شىء بعين متخصصة.
أما سياسيا فهو يعبر عن جيل من الأساتذة الجامعيين المحترمين، إنه أحد
مؤسسى حركة 9 مارس، أو هو تحديدا الأب الروحى، بدأ التحرّك معهم وسط مجتمع طابعه
أمنى إلى حد كبير هو الجامعة، حيث نظم أبو الغار مع زملائه من الأساتذة الجامعيين
كثيرا من الوقفات الاحتجاجية داخل الجامعات، اعتراضا على التدخل الأمنى فى شؤونها
وسوء إدارة قياداتها.
نجحت كثيرا هذه الوقفات، وهى الحركة التى استطاعت أن تكسب قضية طرد
الحرس الجامعى من داخل الجامعات، واستبدال أمن مدنى به.
شارك أبو الغار فى الثورة من بدايتها، ففى يوم 25 يناير كان متظاهرا
يقف أمام دار القضاء العالى، ثم أمام قصر العينى، ونقابة الأطباء.
كان موجودا فى الشارع قبل أن تزداد الأعداد وتتضاعف وقبل أن يعرف
المنافقون أن كفة الثورة ستربح، فيقررون السير معها.
خلاف أبو الغار مع البرادعى لم يمنعه من استكمال المشاركة فى الثورة
إلى جانبه يوم جمعة الغضب، فأدى الصلاة فى مسجد «الاستقامة» بالجيزة، وكان شاهدا
على تعامل الأمن بوحشية مع المتظاهرين وأصيب يومها فى يده، حسبما ذكر فى حوار
لإحدى الصحف:
«تلقيت عصا غليظة أصبت بعدها بورم شديد ونزيف حاد، فقمت بتضميدها وعدت
إلى التظاهر من جديد، واستمررنا 7 ساعات كاملة تعرضنا خلالها لكل أنواع الأسلحة
والمطاردات، فالقنابل المسيلة للدموع كسرت نظارة البرادعى، وتعرضت زوجتى وابنتى
الصغرى للإغماء، وعشنا ساعات من الكر والفر، إلا أن تصاعد وتيرة الاحتجاجات
وانفجار ثورة الغضب جعلا الثورة تنتصر والشرطة تستسلم».
وقام أبو الغار عقب الثورة بتأسيس الحزب المصرى الديمقراطى، معلنا
بداية مرحلة سياسية جديدة فى حياته، عقد من خلالها عددا من التحالفات السياسية
التى أدخلت الحزب إلى قائمة الكتلة المصرية فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة،
وفاز الحزب مع القائمة بعدد من المقاعد، حيث حلت الكتلة فى المركز الرابع بعد
الإخوان والسلفيين والوفد.
وعلى عكس كثيرين يرى أستاذ «9 مارس» أن الجميع استفاد من الثورة لا
الإخوان فقط: «كل المصريين استفادوا من الثورة وكلهم لهم الحق فى إدارة هذه الدولة
لا الإخوان وحدهم، وعلى الرغم من اختلافى معهم فى الأفكار، فإننى أرى أن اعتقال
الإخوان كان خطأ جسيما».
بعد الانتخابات البرلمانية تأكد تماما صاحب سؤال «هل يمكن أن يحلم
المصريون؟» أن ذلك ممكن فعلا، وأن ثورة 25 يناير رغم الصعاب قد استطاعت إلى حد ما
الإجابة عن سؤاله وحلم المصريين، فعلا على الأقل أسقطوا الفلول سقوطا مدويا، وها
هم -أيا كانت الاختلافات- يدخلون برلمان ما بعد الثورة باختيار أعضاء من الشعب
فعلا، لا مندوبين عن السلطة.
زكريا عبد العزيز
كان يواجه من يسأله عن هذا بابتسامة عريضة قائلا له: مكانى هنا.. مشيرا
إلى منصة ميدان التحرير.
حضر بالقرب من مطعم «جروبى» الشهير حيث تم منعه من دخول دار القضاء
العالى من قبل رجال الأمن.
فى شارع عرابى بالقرب من مسجد الفتح ظل فى صدر المظاهرات الضخمة التى
خرجت من هناك حتى دخل ميدان التحرير فى الـ8:30 من مساء اليوم نفسه.
اختار مكانه وسط الشعب متنازلا عن برج القضاة العاجى.
كتب- عبد الرحمن عبادى:
عندما ارتدى الوشاح متوجها فى مسيرة صوب دار القضاء العالى مع مجموعة
من أشرف قضاة مصر عام 2005، دفاعا عن استقلال القضاء، كان يعلن بوضوح رفض ذهب
المعز، أملا فى إعادة التوازن إلى ميزان العدالة الذى اختل فى أيدى القضاة بفعل
فساد العهد البائد. لكنه عندما اعتلى منصة ميدان التحرير فى ساعات الثورة الأولى
كان يضع رقبته على حد سيف لم ينقذه منه سوى سقوط رأس الفساد.
بداية عام 2005 برز اسم المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادى قضاة مصر
السابق، فى خضم المعركة التى خاضتها مجموعة من أخلص قضاة مصر ضد تدخلات السلطة
التنفيذية والنظام فى الشأن القضائى، ليبرز أكثر بعد قراره دعوة قضاة مصر إلى
مسيرة حاشدة نحو دار القضاء العالى لرفض إحالة المستشارَين هشام البسطويسى وأحمد
مكى إلى الصلاحية «جهة التحقيق مع القضاة»، بسبب كشفهما وصول الفساد إلى منصة القضاء،
ثم فتحه أبواب نادى القضاة لاعتصام شباب القضاة المطالبين باستقلال القضاة دون
النظر إلى الحسابات الانتخابية التى كانت تهدد استمراره فى منصبه كرئيس للنادى، أو
موقعه القضائى كرئيس لمحكمة الجنايات.
كان المستشار زكريا عبد العزيز يعلم جيدا أن نظام مبارك لن يتركه بعد
إعادته الحيوية إلى المجتمع المصرى خلال فترة أزمة القضاء التى اضطرت أجهزة القمع
المصرى إلى إغلاق منطقة وسط القاهرة بأكملها فى مشهد لم يسبق له مثيل، خوفا من
انضمام المواطنين إلى القضاة المعتصمين فى ناديهم، أملا فى الحرية وبحثا عن
استقلال أحكامهم، كل المؤشرات كانت تقول ذلك، لكنه كان يستقبل قلق زملائه عليه
ببسمة واثقة من موقفه، حتى حين اختار عدد من زملائه الصمت وإحناء رؤوسهم للعاصفة
التى أرسلها إليهم مبارك، ممثلة فى المستشار ممدوح مرعى مهندس انتخابات الرئاسة
الهزلية عام 2005، رفض عبد العزيز العودة إلى صومعته القضائية والصعود إلى برج
القضاة العاجى مرة أخرى، واستمر مدافعا عن موقفه فى حق القضاة فى التعبير عن
آرائهم وإبداء انطباعاتهم عن الحياة السياسية.
ورغم أن لائحة النادى كانت تمنحه حق الترشح المفتوح لرئاسة مجلس إدارة
النادى، فإنه اكتفى بدورتين انتخابيتين فقط، رافضا خوض انتخابات الدورة الثالثة،
ليتحلل من قيود المنصب ويترك لنفسه عنان إعلان موقفه ورأيه فى مختلف القضايا
السياسية التى عرضت لمصر خلال الفترة من 2005 حتى 2011، والظهور فى كل محفل للدفاع
عن حق التعبير وفضح الانتهاكات القضائية، وهو ما تسبب فى حرمانه من كثير من
المزايا المالية التى أغدقها ممدوح مرعى وزير العدل، على القضاة ضمن سياسة العصا
والجزرة التى اتبعها فى إدارة شؤون الوزارة ومحاولات القضاء على تيار الاستقلال
داخل الهيئات القضائية ونادى القضاة، ورغم نجاح مرعى فى ذلك، فإن ذات التيار عاد
تحت قيادة زكريا عبد العزيز، ليقوم بدور العقل إبان أزمة القضاة والمحامين التى
اشتعلت قبل الثورة بإحالة اثنين من المحامين إلى المحاكمة بتهمة التعدى على
القضاة، لكن تسارع الأحداث لم يمّكنهم من ذلك لتدخل المواجهة منعطفا آخر بعد قيام
الثورة واشتعال مواجهة قانون السلطة القضائية.
الثمانية عشر يوما الفاصلة بين تنحى مبارك وخروج التظاهرات الحاشدة
المطالبة برحيله، كانت فرصة جيدة لإعادة اكتشاف ذلك الرجل الذى لم يغب عن ساحة
الميدان طوال اعتصام التحرير الأول، وهو ما شجع كثيرا من القضاة على الانضمام إلى
معتصمى التحرير، وللمرة الأولى فى تاريخ القضاء المصرى ينخرط القضاة مع المحامين
فى مسيرة حاشدة نحو قصر عابدين، للمطالبة برحيل مبارك وإسقاط النظام.
ومع رحيل مبارك توقع كثيرون صعود نجم عبد العزيز وتكليفه بحقائب وزارية
هى ثورة كل المصريين بكل تأكيد لا ثورة أشخاص بعينهم أو تيار محدد. هى
ثورة كل الأعمار وكل المهن. ثورة العمال والطلاب والمدرسين والشيوخ والقساوسة
والموظفين والأطباء والمهندسين والعلماء والفلاحين والصحفيين.
ثورة الخارجين من المناطق الشعبية والمحتشدين فى مظاهرات من قلب بيوت
مصر الجديدة، والقادمين من الغربة، ثورة ركاب الأوتوبيس والمترو والمينى باص
والمتشعبطين فى القطارات، والذين يدفعون الـ128 إلى الحركة بـ«الزق»، والذين تركوا
سياراتهم صاحبة الـ«2000 سى سى» والتكييف الزيرو، ليهتفوا إلى جوار أهاليهم من بر
مصر «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».
هى ثورة كل هؤلاء وأكثر، ومن بينهم خرج هؤلاء المصريون الجدعان الذين
ستقرؤون قصصهم فى الصفحات القادمة، دون أن يعنى الاحتفاء بدورهم فى الثورة أنهم
فقط من صنعوها، وأنهم وحدهم من غيَّروا وتحرَّكوا وثاروا، بل إننا -ونحن نستعيد
معهم أجواء الثورة ونحتفى بهم- نستعيدها أيضا ونحتفى بكل الملايين الذين غيَّروا
وتحرَّكوا وثاروا.. دامت ثوراتكم.
محمد البرادعي
»ضمير البرادعى الحى» كان حاضرا فى أول إعلان له حول عودته إلى مصر
وممارسته العمل السياسى إذ أكد وقتها «لن أدخل إلى حزب سياسى لا يتمكن من الترشح
للرئاسة
فى فيينا بالنمسا أعلن من هناك أنه يجهز للسفر والعودة إلى مصر
استعدادا للمشاركة فى جمعة الغضب يوم 28 يناير
خطواته ومواقفه وآراؤه ورؤاه تعبر دائما عن «ضمير» لا يعرف المواربة
ولا يتساهل ولا يغفو
كتب- عمرو بدر:
«ضميرى لن يسمح لى بالترشح للرئاسة أو أى منصب رسمى آخر إلا فى إطار
نظام ديمقراطى حقيقى يأخذ من الديمقراطية جوهرها، لا شكلها فقط».. كأن هذه العبارة
تختصر رحلة الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية
مع عالم السياسة فى مصر، فالرجل بالمفاجأة التى فجرها مؤخرا وإعلانه عدم الترشح
لموقع رئيس الجمهورية -بما أثاره هذا الأمر من ضجة- قد أكمل ملامح الصورة التى
بدأت تظهر منذ عودته إلى مصر فى فبراير من عام 2010، هذه الصورة التى إذا اختار
أحد الفنانين أن يرسمها فإنه سيستبدل بصورة البرادعى، بملامحه وتعبيراته الهادئة،
تخيلا فنيا لما تعنيه كلمة «الضمير».
البرادعى الذى اختار طريقا صعبا منذ عودته إلى مصر وهو طريق «تغيير»
وطن حكمه الفساد والاستبداد لمدة تزيد على العقود الثلاثة، كانت خطواته ومواقفه
وآراؤه ورؤاه تعبر دائما عن «ضمير» لا يعرف المواربة، ولا يتساهل، ولا يغفو، حتى
إن كان فى هذا الأمر ما يحمّل الرجل نقدا وهجوما من «فرق النظام» التى تهبط سريعا
بالباراشوت. ولأن هذا الضمير «الحى» هو دائما الذى يعبّر عن النبل الإنسانى، فقد
كان البرادعى يكسب معاركه التى دخلها بالضربة القاضية طوال الوقت.
الأمثلة على أن البرادعى كان يبتعد طوال الوقت عن السياسة بمعناها
المباشر -الذى تغلب عليه المناورات والمؤامرات- ويغلِّب الضمير، كانت كثيرة منذ
عودته إلى مصر وإلقائه حجرا ثقيلا فى مياه راكدة، يعبر عنها مجتمع محبط ومواطن
يائس، فلم يختر الرجل منذ البداية أن يصبح «فردا» فى فريق نظام فاسد وفاشل
«..انسوا الحديث عن الترغيب أو الترهيب، فغير الترشح لموقع رئيس الجمهورية
بانتخابات نزيهة لن أقبل بأى موقع رسمى».. هكذا قال وأكد فى أول حوار له بعد عودته
إلى مصر، دون أن يخاف من أن هذا الأمر سيعرضه لغضب نظام قمعى إلى أبعد الحدود.
«ضمير البرادعى الحى» كان حاضرا فى أول إعلان له حول عودته إلى مصر
وممارسته العمل السياسى، إذ أكد وقتها «لن أدخل إلى حزب سياسى لا يتمكن من الترشح
للرئاسة، ولن أتقدم بأوراق حزب إلى النظام الذى يفتقر إلى الشرعية»، وهو ما يعنى
أن الرجل لم يكن خائفا من أمواج عاتية ولا ملهوفا على الترشح للرئاسة وهو يطالب
بشكل واضح بتعديلات دستورية تتيح «لكل المصريين الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية
بلا قيود»، وهى التى كانت تعنى -حسب البرادعى- تعديل ثلاث مواد من دستور عام 71
تسمح بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نظيفة وتمنح كل مواطن حقه فى الترشح لها.
«الضمير» الذى كان مصاحبا للبرادعى، كان هو المحرك الرئيسى لطريق طويل
من الصدام مع نظام الحكم السابق، وذلك منذ عودته إلى مصر، وتكوينه الجمعية الوطنية
للتغيير فى فبراير 2010، والتى وإن كانت فى حقيقتها «تنظيما نخبويا» فإنها خلقت نوعا
من «التنسيق» ما بين كثير من القوى السياسية والمثقفين ووحدت الجميع على حد أدنى
من مطالب التغيير وولّدت روحا جديدة غابت عن مصر المنكوبة بالاستبداد منذ سنوات،
وقد كان هذا الأمر هو التحدى الأكبر للنظام الذى كان يحكم ويتحكم فى كل شىء،
واستمر الصدام بين البرادعى ونظام مبارك «الساقط» حين طالب المواطنين «بالتوقيع»
على «بيان التغيير» الذى اعتبره البرادعى -آنذاك- يحمل الحد الأدنى لخلق واقع
سياسى جديد فى مصر، وهو أسلوب لمقاومة النظام، يبدو معبرا عن الرجل الذى عاش معظم
حياته فى العمل الدبلوماسى، وهو الذى يصفه قائلا: «لو استطعنا الحصول على ملايين
التوقيعات لن يستطيع النظام القول إنه لا أحد فى مصر يطالب بالتغيير».
البرادعى صاحب الضمير السياسى لم يكن يدعو إلى التغيير فقط، بل كان
مشاركا فى صنعه، فهذا الرجل الذى بشر بالتغيير، وحرك المياه الراكدة وأثبت أن هناك
بديلا آخر لمبارك ونجله وبعث بالأمل فى نفوس الأجيال الأصغر سنا والأكثر حماسا،
كان حاضرا يوم جمعة الغضب، يعانى نفس ما تعانيه الجماهير من قمع و«قنابل مسيلة
للدموع وخراطيم مياه» ولم يؤْثر السلامة وينجُ بنفسه من تفاصيل يوم عاصف فى تاريخ
مصر، بل كان ضميره السياسى يأبى إلا أن يشفع القول بالفعل، ويخرج فى المظاهرات
الحاشدة التى كانت بداية النهاية لنظام مبارك يوم 28 يناير. هذا الأمر جعل
البرادعى يحصل على احترام وتقدير الجميع، لا سيما هؤلاء الذين كانوا يرونه مجرد
مناضل بالكلمات ويعتبرونه غير قادر على النزول إلى الشارع أو مواجهة سلطة غاشمة
قمعية يقول «تعرضت مع الجماهير الغاضبة للضرب بقنابل الغاز وخراطيم المياه، وكان
هذا واجبى تجاه وطنى».
هذا هو البرادعى الذى مارس السياسة بضمير حى ويقظ، بعيدا عن الأطماع
والمطامع، لذلك لم يكن غريبا أن يكون الشباب الأصغر سنا والأكثر نبلا ونقاء والأبعد
مسافة عن مؤامرات السياسة هو أكبر داعم له وأعظم المتحمسين لوصوله إلى سدة الحكم
فى مصر، لأنهم صدقوه بعدما كذب عليهم الجميع، ووثقوا به بعدما رأوا الخيانة على
مدار 30 سنة، من نخب وأجيال كانت مسؤولة -مثل نظام مبارك تماما- عما وصلنا إليه من
فشل وتردٍّ.
جورج إسحق
التاريخ النضالى لإسحق بدأ مبكرا مع مرحلة الطفولة عندما اشترك فى
مقاومة العدوان الثلاثى على مصر فى مدينته الباسلة بورسعيد
كان حاضراً فى المظاهرة التى تحركت من أمام دار القضاء العالى وتحرك من
هناك مع العشرات إلى ميدان التحرير
المنسق الأول لحركة كفاية التى كانت أول من رفع شعار «لا للتمديد.. لا
للتوريث»
كتب- عبد الرحمن عبادى:
لم تمنعه سنوات عمره السبعون من اعتلاء كتف أحد شباب التحرير فى
الساعات الأولى للمظاهرات التى انتهت بثورة 25 يناير، مرددا للمرة الأولى هتاف
«الشعب يريد إسقاط النظام»، فى مشهد لفت نظر كثيرين ممن خرجوا إلى الشارع للمرة
الأولى رفضا لنظام مبارك، ممن لا يعرفون أن ذلك الرجل الذى يقف بينهم واحد من
قليلين اختاروا مهاجمة نظام مبارك، وترديد الهتافات المطالبة بسقوطه فى وقت فيه
كان أقصى أحلام أعتى معارضيه تغيير وزير فى حكومته. مشهد التحرير فى تلك الساعات
كان وحده كفيلا بإعادة شباب جورج إسحق، المنسق الأول لحركة «كفاية»، إليه وهو يرى
حصاد 6 سنوات من النضال السلمى ضد مبارك ونظامه يتحقق أمام عينيه، بعد أن كاد
اليأس يتسرب إلى النفوس من استحالة إزاحة هذا النظام، وبعد أن تحولت وقفات حركة
«كفاية»، التى لا تكاد تنتهى لتبدأ إلى مشهد فلكلورى استخدمه مبارك لتجميل صورته
عالميا، دون أن يعرف أن تلك المجموعة ستنجح فى تحريك الملايين لإسقاط نظامه
عندما تجلس فى حضرته، وأنت لا تعلم من هو، تظن أنه واحد من المتبحرين
فى علوم الدين الإسلامى، ويتأكد لك ذلك عندما تجده فى جميع مناسبات جماعة الإخوان
المسلمين، وعلى رأس الوقفات المطالبة بحريتهم وحقهم فى الوجود والمشاركة السياسية
فى أثناء التنكيل بهم على يد النظام السابق، لكنك ستفاجأ حتما بأن ذلك، الرجل الذى
بدأ حياته معلما للتاريخ، مسيحى الديانة، بل وشغل سنوات طويلة منصب مدير المدارس
الكاثوليكية القبطية، لكنه واحد ممن نظروا إلى جوهر الأديان السماوية، وتناسوا
العنصرية الدينية كى يلتفتوا إلى قضايا الوطن
كثيرا ما استغل خصومه من أتباع الحزب الوطنى مواقفه تلك من الإخوان
لتأليب عدد من الأقباط المتشددين عليه، وكثيرا ما أدى ذلك إلى مهاجمته بضراوة من
أخوة الدين، لكنه كان أقوى من الجميع، ولم يجد أى غضاضة فى أن يعلن فى محافل
مسيحية أن الاختيار للشعب جاء بمسيحى أو مسلم. إسحق الذى قدم نموذجا غير مسبوق فى
مصر لتداول السلطة بعد تنازله عن منصب المنسق العام لحركة «كفاية» بعد عام واحد من
إنشائها فى نهاية 2004 لإرساء مبدأ تداول السلطات تحمل على عاتقه مع أعضاء الحركة
التى لم يتجاوز عدد أعضائها فى البداية 300 فرد صعوبات بداية إنشاء الكيان وواجه
الملاحقات الأمنية والاعتقالات على الرغم من كبر سنه، ولم يكتفِ بذلك، بل امتدت
الضغوط ليواجه كذلك مع بقية زملائه قضايا أخرى، مثل التعديلات الدستورية وتزوير
انتخابات مجلس الشعب، حتى وصل عدد أعضاء الحركة التى خرجت إلى الشارع يوم 12ديسمبر
2004 هاتفة بسقوط مبارك إلى ما يزيد على 20 ألف عضو موزعين على جميع محافظات مصر.
ورغم أن جورج ورفاقه كانوا فى مقدمة صفوف صانعى الثورة، فإنهم واصلوا
رباطهم بالميدان، ولم ينصرفوا لجمع الغنائم كما فعل غيرهم، حتى عندما وافق على
عضوية إحدى لجان التربية والتعليم للاستفادة من خبراته التربوية ظل حريصا على
استحضار روح الثورة، وعندما قرر خوض انتخابات مجلس الشعب وفقا لمعاييره الثورية لم
يوفق، لأنه لم يبحث كغيره عن التحالف مع من لديهم الخبرة البرلمانية والعارفين
بدهاليز الانتخابات المصرية ممن لم يتوانوا عن استحضار تمييزهم الدينى لإسقاطه،
وهو الذى لم يتأخر يوما للدفاع عن حريتهم فى التعبير والتنقل وأداء مشاعرهم
الدينية والمشاركة فى الحياة السياسية.
قديس «كفاية» الذى عاد إلى الميدان مجددا، إيمانا منه بأن الثورة لم
تكتمل هو واحد من الذين ناضلوا لرحيل المحتل الأجنبى وآمنوا بمبادئ ثورة يوليو
التى حادت عن طريقها، لذلك فهو حريص على استحضار عِبر التاريخ ودروسه، حتى لا تغلق
الدائرة مجددا على حكم العسكر.
التاريخ النضالى لإسحق بدأ مبكرا مع مرحلة الطفولة عندما اشترك فى
مقاومة العدوان الثلاثى على مصر فى مدينته الباسلة بورسعيد، ثم اشتغل فى مجال
الخدمات العامة على مختلف المستويات والمجالات انطلاقا من عمله التربوى، قبل أن
ينضم إلى حزب العمل 1969، ومع إنشاء «كفاية» كان فى مقدمة مؤسسيها لكسر حواجز
الخوف لدى الشعب المصرى. ومع تزايد نشاطه فى العمل العام طالته يد الاعتقالات أكثر
من مرة، أطولها عندما تم احتجازه على خلفية الدعوة إلى إضراب 6 أبريل عام 2008،
وإبان أحداث استقلال القضاة عام 2005، لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة كفاحه السلمى إلى
أن قامت الثورة.
أسامة الغزالي حرب
كان حاضراً مع المتظاهرين والمعتصمين فى ميدان التحرير بعدها كان حزبه
من الجهات الداعية للمظاهرات
كان فى مسجد الاستقامة بالجيزة برفقة الدكتور محمد البرادعى وعدد من
السياسيين والمثقفين الذين تعرضوا لقنابل الغاز وخراطيم المياه
اختار حرب طريق الشعب بأن ينضم إلى الجموع وأن يقف ضد النظام فى ظل
سطوته
كتب- محمد أبو زيد:
كان النظام السابق فى عز سطوته، عندما قرر أن يخلع عباءة الحاكم وأن
يعرّيه تماما، وأن يخرج من نظام مبارك، كاشفا سوءات عصر بالكامل طغى وتجبر.
اختار حرب طريق الشعب، بأن ينضم إلى الجموع، وأن يقف ضد النظام فى ظل
سطوته، ويؤسس حزبا، يكون بعد ذلك جزءا أساسيا من الثورة، بل إنه يعتبر «الخلية
الأولى للثورة»، من يوم 20 يناير إلى يوم 25 يناير، كانت هناك ترتيبات، لم يكن
أسامة خائفا من نجاح الثورة، كان يتنبأ بها، كان يدفع فى اتجاه التجربة، ويحض على
أن يخوض الشعب ثورته، حزب الجبهة كان منذ اليوم الأول مع الثورة، وكان متنبئا بها.
لم يدخل أسامة الغزالى حرب الحزب الوطنى إلا لمدة 3 سنوات، حتى عندما كنت عضوا فى
مجلس الشورى، كان مستقلا، لذلك كان محروما من تولِّى أى لجنة، وعلاقته بالنظام لم
تكن جزءا أساسيا.
يحكى حرب عن تجربته «دخلت النظام عندما اتصل بى جمال مبارك بشأن لجنة
السياسات، كان دخولى للحزب الوطنى عام 2002، ومعى من (الأهرام) عبد المنعم سعيد،
وهالة مصطفى، لكننى كنت أعرف جمال قبلها بثلاث أو أربع سنوات، وذلك كان عن طريق
مختلف تماما، جرى ذلك عن طريق د.أسامة الباز، وكان تقريبا سنة 1998، أو 1999، حين
دعا إلى مشروع لتأريخ مصر فى عهد مبارك، وتجميع لبناء مركز دراسات تاريخ مصر
المعاصر، ففهمت أن هناك رغبة فى تجميع كل الوثائق والصور والأفلام السينمائية
الخاصة بعهد مبارك، فاقترحت أن يتم ذلك، على أن يشمل كل ما بعد ثورة يوليو 1952»،
ويضيف «جمال بدأ يفكر فى التوريث، وكان يتعامل مع نفسه على أنه الرئيس القادم أو
يتخيل نفسه كذلك، وكان ذلك يجعل بيننا وبينه مسافة، وكنت أحب ذلك، لم تكن لى علاقة
بمشروع التوريث، فى اللحظة التى أحسست فيها بهذا الموضوع انسحبت».
رفضه مشروع التوريث، وتعديل المادة 76 عام 2005، كانا من أشهر مواقفه
السياسية، فهو أحد القلائل داخل الحزب الوطنى المنحل الذين قالوا يوما ما لجمال
مبارك وصفوت الشريف «لا».. يتذكر أسامة الغزالى حرب أن صفوت الشريف فى اجتماع لجنة
السياسات كان يقرأ أسماء أعضاء الحزب الموافقين على تعديل المادة دون حتى سؤالهم،
«لكنى وقفت وقلت له أنا معترض على تعديل المادة». كان هذا الموقف يعتبر واقعة
نموذجية لانتصار الضمير على المصالح الشخصية.
تعديلات المادة 76 من الدستور كانت البداية لنهاية نظام مبارك، كما
أعلن الغزالى حرب بعد الثورة بأيام، معلنا أن «ثورة شباب 25 يناير سوف توضع فى
التاريخ كواحدة من أعظم الثورات التى عرفتها البشرية مثل الثورة الفرنسية والثورة
الأمريكية»، كما وصفها بالحدث الأعظم فى تاريخ مصر منذ عهد الفراعنة.
ربما يبدو أسامة الغزالى حرب سعيدا الآن وهو يتذكر بعد عام من الثورة،
ما حدث يوم 28 يناير، حيث قرر التوجه مع الدكتور محمد البرادعى من مسجد الاستقامة
فى الجيزة، إلى ميدان التحرير، كان يصلى مع العديد من رموز المعارضة، الدكتور عبد
الجليل مصطفى، والدكتور محمد أبو الغار، لكن بمجرد انتهاء الصلاة، انطلقت قنابل
الغاز، وخراطيم المياه على المصلين، قبل أن ينضم متظاهرو العمرانية والهرم إليهم
وينطلقوا إلى التحرير، لم تترك الشرطة المتظاهرين، فقامت باحتجاز البرادعى ومعه
حرب فى أثناء المشاركة فى المظاهرات.
كانت أياما كالحلم، يتذكرها الآن أسامة الغزالى حرب ويبتسم، ربما لا
تكون المكاسب كبيرة، لكنها حققت ما حلمت به مصر لمدة ثلاثين عاما، وأسقطت نظام
الطاغية
عبد الجليل مصطفى
شارك فى الوقفة التى بدأت أمام دار القضاء العالى ثم تحولت إلى مظاهرة
تحركت من إلى شارع رمسيس ومرت أمام دار الحكمة ثم إلى ميدان التحرير
كان عضوا مؤسسا فى حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات وكان واحدا ممن حرضوا
على قيام ثورة 25 يناير
كتب- محمد الخولى:
تاريخ طويل ملىء بالكفاح والنضال ضد نظام ديكتاتورى فاسد، هذا هو ملخص
حياة المناضل والناشط السياسى الدكتور عبد الجليل مصطفى أحد المناضلين والداعين إلى
قيام الثورة، ومشارك وشاهد على كل أحداثها منذ البداية.
الناشط السياسى الذى شارك فى صنع الثورة منذ بدايتها، فكان من أول
الموجودين بميدان التحرير يوم 25 يناير للثورة على نظام فاسد، كاد يرسل مصر إلى
الجحيم والمطالبة بإطلاق سراح مصر للمصريين من أبنائها. ومع تزايد العنف والقتل
وأساليب القمع الدنيئة التى استخدمتها قوات الأمن المركزى ضد المتظاهرين كان إصرار
عبد الجليل على استكمال مشوار الثورة إلى النهاية يتزايد، فكان من أوائل الداعين
إلى جمعة الغضب 28 يناير، التى بدأها بمسيرة من مسجد الاستقامة بمحافظة الجيزة إلى
ميدان التحرير، بصحبة الدكتور محمد البرادعى وعدد من النشطاء السياسيين، جاعلا من
مكتبه بميدان باب اللوق نقطة تجمع للتشاور حول الأفكار، والآراء المختلفة على مدار
18 يوما هى فترة عمر الثورة.
عبد الجليل مصطفى الأستاذ بجامعة القاهرة، الذى رفض أن يسجن فى حدود
الشخصية الأكاديمية المحافظة، تعرض للتنكيل والاعتقال أيضا فى ظل دولة بوليسية
تعتمد على تقارير أمن الدولة، الأمر الذى لم يمنعه من المشاركة وتأسيس كثير من
الحركات الاحتجاجية والنضالية ضد النظام، فكان عضوا مؤسسا فى حركة 9 مارس لاستقلال
الجامعات، وكان واحدا ممن حرضوا على قيام ثورة 25 يناير، وواحدا أيضا ممن حافظوا
على ثوريتهم، رافضا أن يقع فى فخ المجلس العسكرى كغيره من السياسيين.
الثائر الذى رفض أن يقال إن ثورة 25 يناير صناعة غربية، ولم يكتب لها
النجاح إلا بعد دعم ومساندة الغرب لها قائلا: «أمريكا ساندت حليفها فى بداية
الثورة، وقالت وزيرة الخارجية إن نظام مبارك مستقر، ويمكنه البقاء»، معتبرا أنها
ثورة شعبية مصرية خالصة ملك لكل المصريين، وكتبت شهادة نجاحها بدماء مصرية طاهرة
سالت على أرض الميدان.
منسق الجمعية الوطنية للتغيير، الذى أكد ضرورة الخروج فى الذكرى الأولى
للثورة، واستكمال المسيرة لحين تحقيق جميع أهداف الثورة قائلا «نزول المصريين فى
الذكرى الأولى للثورة واجب وطنى، لتأكيد مطالب الثورة واستكمال مسيرتها الإصلاحية
للنهاية».
عبد الجليل مصطفى، الذى أكد شرعية الميدان وضروريتها لاستكمال أهداف
الثورة بعيدا عن شرعية البرلمان، قائلا «البرلمان لا يعادل شرعية الميدان، حيث إن
لكل منهما شرعية مختلفة، وكل له حق فى السلطة ولا بد أن يصدر البرلمان قانون
السلطة القضائية لتطهير مؤسسات الدولة من الفلول».
رئيس الجمعية الوطنية للتغيير، الذى رحب بالمبادرة التى طرحها الدكتور
منصور حسن، رئيس المجلس الاستشارى، لإجراء حوار مع كل القوى والتيارات السياسية،
مؤكدا ضرورة أن يسبق ذلك حصول تلك التيارات والثوار على تطمينات للتوقف عن التظاهر
والاعتصام. معربا عن قلقه حول ما إذا كان الحوار سيقود إلى حلول موضوعية لتنفيذ
مطالب الثوار أم سينتهى إلى مصير ما سبقه من دعوات للحوار. مشترطا أن تكون تلبية
مطالب الناس مرافقة للحوار قائلا: «إذا كانت هناك رغبة فى الحوار، فلا بد أن
يترافق معها تلبية مطالب الناس، وإيقاف العنف ضد شباب الثورة، وإن أقصر الطرق إلى
الاستقرار هو تلبية المطالب العاجلة».
السياسى، الذى طالب بتقديم موعد فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة،
وكان من ضمن الداعين إلى وضع الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات قائلا: «أنا مع
وجوب وضع الدستور أولا حتى لا يتولى أحد الحكم مجددا بصلاحيات غير محدودة»، إضافة
إلى مطالبته بإلغاء مجلس الشورى وانتخاباته قائلا: «إنه لم يفعل شيئا منذ قرار
تأسيسه فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وكان من الضرورى أن يتم إلغاؤه منذ 12
فبراير الماضى، وإجراء انتخابات له حاليا هو نوع من إهدار الوقت والأموال بلا
طائل».
الليبرالى، الذى انتقد الخروج الكبير للتيار السلفى والإخوانى بعد الثورة
قائلا: «يلفت نظرى أن هؤلاء كانوا يعتصمون بالصمت قبل الثورة، ويعرف الجميع ما
قاله بعضهم حينما قامت الثورة أن الفساد لا يُصلح بالفساد وأن التظاهر نوع من
الفتن، ثم وجدناهم التحقوا بالثورة بعد نجاحها». لافتا إلى أنه من الساعين إلى
إقامة دولة القانون التى ترعى حريات الجميع وحقوقهم على قدم المساواة واحترام
القانون من عدمه هو المعيار الذى يحدد ما نقبل وما لا يقبل الشعب فى مختلف
المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأيضا الحرص البالغ على
الوحدة الوطنية من جميع الفرقاء، قائلا: «أعتقد أن حماية الوحدة الوطنية من أى
ممارسات ضارة بها هو واجب وطنى مقدس، علينا جميعا أن نرعاها ونحميها فى كل وقت.
محمد البلتاجي
أبرز المعارضين فى برلمان 2005 وأكثر أعضاء الكتلة الإخوانية التصاقا
بالقوى السياسية التى خرجت لرفض التوريث والتمديد لمبارك.
خرج فى مظاهرة كبيرة من دوران شبرا وسار فى هذه المظاهرة مسافة طويلة
حتى دار القضاء العالى ومنه إلى ميدان التحرير.
الإخوانى الوحيد الذى يردد الآن فى كل مناسبة أن الثورة مستمرة وأن
الأوضاع لن تستقر فى مصر إلا بتسليم السلطة للمدنيين.
كتب- عبد الرحمن عبادى:
فى الوقت الذى انشغلت فيه جماعة الإخوان المسلمين بجمع غنائم انتخابات
مجلس الشعب والترويج لاحتفالات مرور عام على الثورة. كتب هو على موقعه الإلكترونى:
«25 يناير لن يكون لمشاعر احتفالية فلكلورية تفرغ المناسبة من مضمونها الثورى كما
يريد البعض، ولا لنعيش معه حالة جنائزية مأتمية، لأننا لم نحقق شيئا كما يرى
البعض، لكن لنرسل جميعا رسالة واضحة أن الملايين لا تزال محتشدة وراء الثورة،
ومصرة على تحقيق مطالبها التى لم تتحقق بعد».
وحده الدكتور محمد البلتاجى بين قيادات الإخوان الذى أعلن موقفه الواضح
من 25 يناير «الثانى» كما كان وحده بين قياداتها الذى شارك منذ اللحظة الأولى فى
الثورة، عندما خرج مع نفر قليل من أفراد جماعته وشبابها للمشاركة فى مسيرة القوى
السياسية والمواطنين التى انطلقت من دوران شبرا نحو دار القضاء العالى ومنه إلى
ميدان التحرير بعد كسر الحصار الأمنى المفروض عليها عصر الثلاثاء 25 يناير، ثم
عاود الكَرّة من جديد يوم جمعة الغضب مع عدد أكبر ليستقر فى الميدان بشكل شبه دائم
حتى رحيل مبارك عن الحكم.
مواقف البلتاجى المحترمة قبل 25 يناير وبعده، جعلته على مسافة قريبة من
مختلف القوى السياسية وأهَّلته ليكون معشوق شباب جماعة الإخوان الأول منذ عام 2001
عندما قاد مسيرات طلاب الإخوان الجامعية لإدانة العدوان الإسرائيلى فى الانتفاضة
الفلسطينية الثانية، مستعيدا ذاكرته الثورية، وقت أن شارك مع رموز العمل الطلابى
بالجامعات المصرية فى توحيد موقف طلابى حاشد تأييدا لقضية الجندى المصرى سليمان
خاطر، ومخاطبة الحكومة المصرية بالإفراج عنه لعدالة قضيته فى أثناء توليه منصب
رئيس اتحاد طلاب جامعة الأزهر، وهى الذاكرة التى انطوت لسنوات انشغل فيها بعمله
كطبيب متخصص فى علاج أمراض «الأنف والأذن والحنجرة»، والدفاع عن حقه فى التعيُّن
بالجامعة بعد استبعاده أمنيا لمدة أربع سنوات نجح خلالها فى الحصول على حكم قضائى
أعاده إلى الجامعة أستاذا لذلك التخصص بجامعة الأزهر، قبل أن يعود مرة أخرى
لممارسة نشاطه العام بشكل أكبر فى انتخابات برلمان 2005 عندما نجح فى انتزاع مقعد
الفئات عن دائرة قسم أول شبرا الخيمة بفارق 15 ألف صوت عن أقرب منافسيه بنشاطه
الملحوظ فى العمل الخيرى بين أبناء الدائرة.
فى يوم 20 نوفمبر الماضى، كان البلتاجى هو الإخوانى الوحيد الذى سارع
بالنزول إلى ميدان التحرير لإدانة عنف الداخلية والشرطة العسكرية فى أحداث محمد
محمود، وهو الإخوانى الوحيد الذى يردد الآن فى كل مناسبة أن الثورة مستمرة، وأن
الأوضاع لن تستقر فى مصر إلا بتسليم السلطة للمدنيين ورحيل العسكر إلى ثكناتهم،
حتى غمار معركته الانتخابية للعودة إلى مقعده بمجلس الشعب لم تشغله عن أحداث
التحرير، رغم طرده من الميدان عقب أحداث محمد محمود تأثرا بموقف جماعة الإخوان
المسلمين العائم من تلك الأحداث.
مجلس الشعب كان نقطة انطلاق البلتاجى الحقيقية فى عالم السياسة، حيث
كان من أبرز الأصوات المعارضة فى برلمان 2005 وأكثر أعضاء الكتلة الإخوانية
التصاقا بالقوى السياسية التى خرجت فى تلك الفترة لرفض التوريث والتمديد لمبارك،
حيث شوهد فى عشرات الوقفات التى نظمتها حركة «كفاية»، وباقى القوى السياسية،
وارتبط اسمه بقضايا جماهيرية منها: عبّارة السلام، واستجواب أنفلونزا الطيور،
وطوابير العيش، ورفض قانونَى المرور والضرائب العقارية، فضلا عن دفاعه البرلمانى
عن استقلال السلطة القضائية، وحرية الصحافة، إضافة إلى مواقفه الرافضة لتشريعات:
الحبس فى قضايا النشر، وتمديد حالة الطوارئ، والتعديلات الدستورية الجائرة فى
2007، والمحاكمات العسكرية للمدنيين. كما كانت له جولات فى الدفاع عن حقوق التعبير
والتظاهر السلمى، حيث وقف بقوة ضد دعاوى القمع وإطلاق الرصاص على المتظاهرين التى
أطلقها نائب الحزب الوطنى القصاص قبل شهور من الثورة، وعندما قررت كتلة المستقلين
بالبرلمان الاعتصام احتجاجا على قمع أغلبية الوطنى البرلمانية كان فى مقدمة
المعتصمين.
التصاق البلتاجى بالقوى السياسية خلال فترة تأسيس الحملة المصرية ضد
توريث الحكم لجمال مبارك جعل الجماعة تختاره ممثلا لها فى معظم اللقاءات التى
تحتاج فيها إلى التنسيق مع القوى السياسية الأخرى، وهو ما جعله أحد المؤسسين
الرئيسيين للجمعية الوطنية للتغيير، التى تأسست فى فبراير 2010 عقب عودة الدكتور
محمد البرادعى من الخارج وانخراطه فى العمل العام لإنهاء حقبة مبارك.
ثورية البلتاجى التى جعلته أحد المتحدثين الدائمين على منصة التحرير
الرئيسية فى فترة الثورة، كانت حاضرة أيضا فى 30 مايو عام 2010 عندما لم يكتفِ
بدوره فى تأسيس الحملة الشعبية المصرية لفك الحصار عن غزة، وشارك مع نشطاء دوليين
فى قافلة السفينة «مرمرة» التركية التى سعت عمليا لكسر الحصار بحرا عن قطاع غزة،
وهى السفينة التى هاجمها الكيان الصهيونى فى عُرض البحر فى عملية عسكرية أسفرت عن
استشهاد تسعة من الناشطين، وجرح عشرات منهم، فضلا عن اعتقال جميع المشاركين على
ظهر الأسطول، والإفراج عنهم فى وقت لاحق.
أيمن نور
اعتقل أكثر من مرة فى بداية الثمانينيات، لكن السجن لم يستطع أن يحطم
أفكار نور الليبرالية.
وجد مع المئات من المتظاهرين أمام دار القضاء العالى ثم تحرك مع
المظاهرة فى شوارع وسط البلد حتى وصل إلى ميدان التحرير.
قاد مسيرة من مقر حزب الغد إلى جامع الفتح برمسيس حيث تعرض للاعتداء من
قبل رجال الشرطة ثم ذهب إلى مستشفى العجوزة .
رمز للمعارضة فى زمن مبارك وأكثر الذين دفعوا ثمناً لذلك.
كتب- محمد أبو زيد:
سيكتب التاريخ أن أول من قال «ارحل» هو الدكتور أيمن نور، أول من طالب
الرئيس المخلوع حسنى مبارك، قبل قيام الثورة بثلاثة أيام بالرحيل، قالها أمام
البرلمان الموازى، وهو مدرك أن نهاية الليل قادمة، وأن سقوط النظام الذى طغى
وتجبّر قد آن.
أيمن نور هو أحد رموز المعارضة فى زمن مبارك منذ أن كان محاميا، ثم
قراره بأن ينشئ حزبا سياسيا معارضا، منذ حمل حلم الآلاف بالتغيير، فخاض تجربة
الترشح للرئاسة ضد مبارك، وضد مرشحى الأحزاب الكارتونية، فى الانتخابات الرئاسية
عام 2005، فى أول انتخابات تجرى بواسطة الاقتراع المباشر، وجاء فى المركز الثانى
فى النتائج النهائية للانتخابات بعد مبارك، الذى زوّرت له الانتخابات بطبيعة الحال،
لكن النظام السابق رفض أن يظل منافسو مبارك، فى النور، فتم تلفيق قضية التوكيلات
المزوّرة له، ليدخل السجن، كأشهر سجين سياسى فى التسعينيات، دفع ثمن معارضته من
سنوات عمره خلف السجون.
حُكم على نور بالسجن لمدة 5 سنوات فى محاكمات سريعة ومثيرة للجدل، لم
يكن الهدف فقط سجنه، بل أن يمنع من الترشح فى الانتخابات الرئاسية، التى كان من
المفترض أن تجرى فى 2011، كان النظام خائفا ومرتعدا، بعد أن قام بقتل كل رجال الصف
الثانى، فلا يبقى سوى مبارك وابنه، ينهشان لحم الوطن، تم الإفراج عن نور يوم 18
فبراير 2009، لأسباب صحية، بعد مناداة ناشطين وحقوقيين بالإفراج عنه بسبب إصابته
بالسكر وأمراض أخرى.
لم تكن هذه هى المرة الأولى له فى السجن، فقد اعتقل أكثر من مرة فى
بداية الثمانينيات، لكن السجن لم يستطع أن يحطم أفكار نور الليبرالية، ولا
معارضته، كان يسرّب مقالا يوميا، ينشره فى جريدة «الدستور»، قبل أن يقوم نظام
مبارك بتصفيتها.. خرج من السجن ليكون أكثر قوة وعنادا وإصرارا على رحيل مبارك
ونظامه.
عمل نور فى المحاماة والصحافة فى آن واحد بعد قرار المحكمة الدستورية
بالجمع بين نقابتين، وهو نائب بمجلس الشعب -دائرة باب الشعرية- وجاءت بداية عمله
بالسياسة مبكرة، فقد كان والده نائبا من نواب مجلس الشعب، لذلك شارك أيمن نور فى
إدارة الحملات الانتخابية لوالده، وبعد ذلك ترأس اتحاد طلاب الجمهورية، ثم انضم
إلى حزب الوفد الذى أصبح بعد وقت قليل من أنشط كوادره. انضم بعد ذلك أيمن نور إلى
حزب مصر، وهو امتداد للوسط، على اعتبار أن نور وسطى ليبرالى، وتم انتخابه رئيسا
للحزب فى مؤتمر عام 2001، ثم بدأ نور بعد ذلك فى تأسيس حزب الغد الذى أصبح نور
رئيسا وزعيما له، الذى أضحى فى فترة قصيرة من أقوى الأحزاب المعارضة داخل البرلمان
المصرى.
كان أيمن نور على رأس الخارجين يوم 25 يناير، يهتف «ارحل»، كلمته
الأثيرة، ويهتف مع آلاف المواطنين الذين ساروا حوله «الشعب يريد إسقاط النظام»،
أمام دار القضاء العالى وشارع رمسيس وجريدة «الجمهورية». فى الأيام التالية كان
موجودا فى الميدان.. مساء الأربعاء 26 يناير، افترش آلاف المتظاهرين من مختلف القوى
السياسية، أرضية ميدان التحرير، للمبيت به وسط حضور مكثف لرموز المعارضة والقوى
السياسية المختلفة، وكان بينهم أيمن نور وجميلة إسماعيل والكاتب الصحفى الكبير
إبراهيم عيسى، والمهندس الاستشارى ممدوح حمزة، والدكتور عبد الجليل مصطفى. كان
الحلم فى بدايته، لكن أيمن نور كان مصرا على أن حلمه سيتحقق، كان يرى كل ما فعله
النظام معه، من سجن وتعذيب وتشويه سمعة ومطاردة، كان يرى الفقر والرفض فى وجوه
الجميع، كان ذلك دليلا بالنسبة إليه على اقتراب الحلم من تحقيقه، يوم 28 يناير،
جمعة الغضب، أدرك أن النظام قد سقط لا ريب، كان هناك وسط الجموع، يشاهد الحلم الذى
بدأ يتحقق.
أيمن نور الذى أعلن تجميد حملته للرئاسة قبل يومين، عاد ليكرر كلمته
الأثيرة مرة أخرى «ارحل»، لكنه هذه المرة وجهها إلى المجلس العسكرى، لأنه لم ير
شيئا تغيّر، فقط تبديل أدوار لا أكثر، ربما لأن ما عانى منه أيام مبارك من إبعاد
واتهامات عانى منه أيضا أيام المجلس العسكرى
محمد أبو الغار
كان موجودا فى الشارع قبل أن تزداد الأعداد وتتضاعف وقبل أن يعرف
المنافقون أن كفة الثورة ستربح فيقررون السير معها.
كان حاضرا فى مظاهرة أمام دار القضاء العالى ثم تحرك باتجاه شارع القصر
العينى قبل أن يتجه بالتظاهر فى ميدان التحرير.
أدى صلاة الجمعة فى مسجد الاستقامة بميدان الجيزة مع آلاف من الذين
خرجوا للتظاهر وواجهتهم الشرطة بعنف واستخدموا القنابل المسيلة للدموع وخراطيم
المياه.
رائد فى تخصصه الطبى الدقيق ورائد فى تحركه النضالى لاستقلال الجامعة
والوطن.
كتب- مصطفى شحاتة:
إنها طلة الطبيب، تسيطر عليه وتتمكن منه تماما، حينما يحدّث مريضاته
برفق، وبإخلاص لمهنة الرحمة، ومساعدة الناس على التغلب على الألم، من يمكنه أن
يقاوم نظرة الرأفة فى عيون الرجل الكهل؟ دون السياسة.. محمد أبو الغار، رائد فى
مجاله الأساسى.. طب النساء والولادة. يكفيه حنان الأبوة الذى يعامل به مريضاته
وهدوؤه فى لومهن وعتابهن على التقصير فى حق جسدهن. أستاذ طب النساء والتوليد
بجامعة القاهرة المولود بشبين الكوم عام 1940.
جاء بتخصصه التخصيب الصناعى إلى مصر ليكتسب شهرة طبية واسعة فى أحد أهم
المجالات الطبية على الإطلاق.
وفى تخصص بدا نادرا فى مصر منذ فترة، رشحه كثيرون لتولى منصب وزير
التعليم العالى لخبرته فى المجال العلمى والتعليمى، إلا أنه كان يرفض، حتى بعد
الثورة عندما جاءت له وزارة الصحة رفضها مفضلا أن يكون فى موقع المواطن الذى يرى
كل شىء بعين متخصصة.
أما سياسيا فهو يعبر عن جيل من الأساتذة الجامعيين المحترمين، إنه أحد
مؤسسى حركة 9 مارس، أو هو تحديدا الأب الروحى، بدأ التحرّك معهم وسط مجتمع طابعه
أمنى إلى حد كبير هو الجامعة، حيث نظم أبو الغار مع زملائه من الأساتذة الجامعيين
كثيرا من الوقفات الاحتجاجية داخل الجامعات، اعتراضا على التدخل الأمنى فى شؤونها
وسوء إدارة قياداتها.
نجحت كثيرا هذه الوقفات، وهى الحركة التى استطاعت أن تكسب قضية طرد
الحرس الجامعى من داخل الجامعات، واستبدال أمن مدنى به.
شارك أبو الغار فى الثورة من بدايتها، ففى يوم 25 يناير كان متظاهرا
يقف أمام دار القضاء العالى، ثم أمام قصر العينى، ونقابة الأطباء.
كان موجودا فى الشارع قبل أن تزداد الأعداد وتتضاعف وقبل أن يعرف
المنافقون أن كفة الثورة ستربح، فيقررون السير معها.
خلاف أبو الغار مع البرادعى لم يمنعه من استكمال المشاركة فى الثورة
إلى جانبه يوم جمعة الغضب، فأدى الصلاة فى مسجد «الاستقامة» بالجيزة، وكان شاهدا
على تعامل الأمن بوحشية مع المتظاهرين وأصيب يومها فى يده، حسبما ذكر فى حوار
لإحدى الصحف:
«تلقيت عصا غليظة أصبت بعدها بورم شديد ونزيف حاد، فقمت بتضميدها وعدت
إلى التظاهر من جديد، واستمررنا 7 ساعات كاملة تعرضنا خلالها لكل أنواع الأسلحة
والمطاردات، فالقنابل المسيلة للدموع كسرت نظارة البرادعى، وتعرضت زوجتى وابنتى
الصغرى للإغماء، وعشنا ساعات من الكر والفر، إلا أن تصاعد وتيرة الاحتجاجات
وانفجار ثورة الغضب جعلا الثورة تنتصر والشرطة تستسلم».
وقام أبو الغار عقب الثورة بتأسيس الحزب المصرى الديمقراطى، معلنا
بداية مرحلة سياسية جديدة فى حياته، عقد من خلالها عددا من التحالفات السياسية
التى أدخلت الحزب إلى قائمة الكتلة المصرية فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة،
وفاز الحزب مع القائمة بعدد من المقاعد، حيث حلت الكتلة فى المركز الرابع بعد
الإخوان والسلفيين والوفد.
وعلى عكس كثيرين يرى أستاذ «9 مارس» أن الجميع استفاد من الثورة لا
الإخوان فقط: «كل المصريين استفادوا من الثورة وكلهم لهم الحق فى إدارة هذه الدولة
لا الإخوان وحدهم، وعلى الرغم من اختلافى معهم فى الأفكار، فإننى أرى أن اعتقال
الإخوان كان خطأ جسيما».
بعد الانتخابات البرلمانية تأكد تماما صاحب سؤال «هل يمكن أن يحلم
المصريون؟» أن ذلك ممكن فعلا، وأن ثورة 25 يناير رغم الصعاب قد استطاعت إلى حد ما
الإجابة عن سؤاله وحلم المصريين، فعلا على الأقل أسقطوا الفلول سقوطا مدويا، وها
هم -أيا كانت الاختلافات- يدخلون برلمان ما بعد الثورة باختيار أعضاء من الشعب
فعلا، لا مندوبين عن السلطة.
زكريا عبد العزيز
كان يواجه من يسأله عن هذا بابتسامة عريضة قائلا له: مكانى هنا.. مشيرا
إلى منصة ميدان التحرير.
حضر بالقرب من مطعم «جروبى» الشهير حيث تم منعه من دخول دار القضاء
العالى من قبل رجال الأمن.
فى شارع عرابى بالقرب من مسجد الفتح ظل فى صدر المظاهرات الضخمة التى
خرجت من هناك حتى دخل ميدان التحرير فى الـ8:30 من مساء اليوم نفسه.
اختار مكانه وسط الشعب متنازلا عن برج القضاة العاجى.
كتب- عبد الرحمن عبادى:
عندما ارتدى الوشاح متوجها فى مسيرة صوب دار القضاء العالى مع مجموعة
من أشرف قضاة مصر عام 2005، دفاعا عن استقلال القضاء، كان يعلن بوضوح رفض ذهب
المعز، أملا فى إعادة التوازن إلى ميزان العدالة الذى اختل فى أيدى القضاة بفعل
فساد العهد البائد. لكنه عندما اعتلى منصة ميدان التحرير فى ساعات الثورة الأولى
كان يضع رقبته على حد سيف لم ينقذه منه سوى سقوط رأس الفساد.
بداية عام 2005 برز اسم المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادى قضاة مصر
السابق، فى خضم المعركة التى خاضتها مجموعة من أخلص قضاة مصر ضد تدخلات السلطة
التنفيذية والنظام فى الشأن القضائى، ليبرز أكثر بعد قراره دعوة قضاة مصر إلى
مسيرة حاشدة نحو دار القضاء العالى لرفض إحالة المستشارَين هشام البسطويسى وأحمد
مكى إلى الصلاحية «جهة التحقيق مع القضاة»، بسبب كشفهما وصول الفساد إلى منصة القضاء،
ثم فتحه أبواب نادى القضاة لاعتصام شباب القضاة المطالبين باستقلال القضاة دون
النظر إلى الحسابات الانتخابية التى كانت تهدد استمراره فى منصبه كرئيس للنادى، أو
موقعه القضائى كرئيس لمحكمة الجنايات.
كان المستشار زكريا عبد العزيز يعلم جيدا أن نظام مبارك لن يتركه بعد
إعادته الحيوية إلى المجتمع المصرى خلال فترة أزمة القضاء التى اضطرت أجهزة القمع
المصرى إلى إغلاق منطقة وسط القاهرة بأكملها فى مشهد لم يسبق له مثيل، خوفا من
انضمام المواطنين إلى القضاة المعتصمين فى ناديهم، أملا فى الحرية وبحثا عن
استقلال أحكامهم، كل المؤشرات كانت تقول ذلك، لكنه كان يستقبل قلق زملائه عليه
ببسمة واثقة من موقفه، حتى حين اختار عدد من زملائه الصمت وإحناء رؤوسهم للعاصفة
التى أرسلها إليهم مبارك، ممثلة فى المستشار ممدوح مرعى مهندس انتخابات الرئاسة
الهزلية عام 2005، رفض عبد العزيز العودة إلى صومعته القضائية والصعود إلى برج
القضاة العاجى مرة أخرى، واستمر مدافعا عن موقفه فى حق القضاة فى التعبير عن
آرائهم وإبداء انطباعاتهم عن الحياة السياسية.
ورغم أن لائحة النادى كانت تمنحه حق الترشح المفتوح لرئاسة مجلس إدارة
النادى، فإنه اكتفى بدورتين انتخابيتين فقط، رافضا خوض انتخابات الدورة الثالثة،
ليتحلل من قيود المنصب ويترك لنفسه عنان إعلان موقفه ورأيه فى مختلف القضايا
السياسية التى عرضت لمصر خلال الفترة من 2005 حتى 2011، والظهور فى كل محفل للدفاع
عن حق التعبير وفضح الانتهاكات القضائية، وهو ما تسبب فى حرمانه من كثير من
المزايا المالية التى أغدقها ممدوح مرعى وزير العدل، على القضاة ضمن سياسة العصا
والجزرة التى اتبعها فى إدارة شؤون الوزارة ومحاولات القضاء على تيار الاستقلال
داخل الهيئات القضائية ونادى القضاة، ورغم نجاح مرعى فى ذلك، فإن ذات التيار عاد
تحت قيادة زكريا عبد العزيز، ليقوم بدور العقل إبان أزمة القضاة والمحامين التى
اشتعلت قبل الثورة بإحالة اثنين من المحامين إلى المحاكمة بتهمة التعدى على
القضاة، لكن تسارع الأحداث لم يمّكنهم من ذلك لتدخل المواجهة منعطفا آخر بعد قيام
الثورة واشتعال مواجهة قانون السلطة القضائية.
الثمانية عشر يوما الفاصلة بين تنحى مبارك وخروج التظاهرات الحاشدة
المطالبة برحيله، كانت فرصة جيدة لإعادة اكتشاف ذلك الرجل الذى لم يغب عن ساحة
الميدان طوال اعتصام التحرير الأول، وهو ما شجع كثيرا من القضاة على الانضمام إلى
معتصمى التحرير، وللمرة الأولى فى تاريخ القضاء المصرى ينخرط القضاة مع المحامين
فى مسيرة حاشدة نحو قصر عابدين، للمطالبة برحيل مبارك وإسقاط النظام.
ومع رحيل مبارك توقع كثيرون صعود نجم عبد العزيز وتكليفه بحقائب وزارية
عدل سابقا من قبل المدير في الأربعاء 06 فبراير 2013, 11:51 am عدل 2 مرات